محاكاة الانفجار الكوني العظيم
قبل 5 سنوات جرت في مختبر مصادم الهدرونات الكبير (LHC) لدى المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية محاكاة للانفجار العظيم. استخدمت في التجربة كاميرات عملاقة واكتشفت أشياء مثيرة، في مشروع مفتوح لكل الجامعات والمعاهد في العالم.
في نهاية مارس 2010 أجرت المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية عملية محاكاة صغيرة للانفجار العظيم، بقيادة علماء فيزياء الجسيمات. كان هناك مناهضون لهذه العملية وحاولوا منعها بطرق قانونية. فقد كانوا يخشون أن تتسبب في نهاية العالم. لكنها أجريت في النهاية وأسفرت عن اكتشافات مثيرة.
وفي عام 2013، تم اكتشاف “بوزون هيغز”، وهو جسيم أولي يعتقد أنه المسؤول عن اكتساب المادة لكتلتها. كاميرا رقمية عملاقة، أطلق عليها اسم “أطلس” تمكنت من تصوير أصغر عناصر بناء الكون وأجزاء من نواة الذرة. وهنا رسم جداري للتجربة يبين مدى ضخامة “أطلس”. أما الكاشف نفسه فهو أكبر حجما ويقع على عمق 90 مترا.
وعلى طول مختبر مصادم الهدرونات الكبير توجد أربع كاميرات كاشِفات. أسماؤها: “أليس”، و”أطلس”، و”سي ام اس”، و”ال اتش سي بي”. ومن يريد مشاهدتها عليه أن يهبط إلى أعماق الصخور في الألب الفرنسية والسويسرية، ويجب أن يرتدي خوذة لحماية رأسه، فهناك تنتشر مواسير وتوصيلات، ويمكن أن يرتطم الرأس بها بسهولة، أو أن تسقط أي معدة من أعلى على الرأس.
هكذا تبدو الصور التي رصدت في التجارب عند تصادم البروتونات أو أيونات الرصاص مع بعضها بسرعة الضوء، مسببة إطلاق أصغر الجسيمات الأولية، بوزون هيغز، المكتشف حديثا. إنها جزيئات تكون منها الكون الذي نعيش فيه في أول جزء من مليار جزء من الثانية بعد الانفجار العظيم.
في هذا الأنبوب تتسارع أيونات الرصاص وبروتونات الهيدروجين بطاقة قطار سريع، وتبقى في مسارها بفضل وحدات مغناطيس كهربية. الأنبوب يقع في أعماق أراضي سويسرا وفرنسا، ويبلغ محيطه 27 كيلومترا.
وحدات المغناطيس الكهربية، المذكورة تتكون من لفائف فائقة التوصيل، ويتم تبريد الكابلات إلى 271.3 درجة مئوية تحت الصفر، لذلك تختفي منها المقاومة الكهربائية تماما. ولأجل ذلك يحتاج مُسَرّع سير الجزيئات إلى الكثير من الهيليوم السائل، الذي يتدفق في المواسير. وبهذا فإن المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية هي الجهة التي لديها أكبر ثلاجة في العالم.
لكل كاشِف كما هنا في “أطلس” غرفة تحكم عن بعد بسبب الخطورة. وعندما يكون مُسَرّع الجزيئات في وضع عمل يجب ألا يبقى أحد في الوحدات تحت الأرض. إذ لو خرج شعاع بروتون عن السيطرة يمكنه إذابة 500 كيلوغرام من النحاس. وتسرب الهيليوم قد يسبب الاختناق والتجمد، كما أن شعاع الجسيمات يمكن أن تكون له أنشطة نووية.
ملايين البيانات في الثانية الواحدة تمدنا بها الكاشِفات الأربعة عن تصادم الجزيئات. ولأنه ليس بالضرورة أن تكون كل التصادمات مهمة بالنسبة للعلماء؛ توجد عملية تصفية للبيانات المهمة. وتخزن على أقراص مدمجة (سي دي)، وتوضع في البداية في مركز الحاسب الآلي لدى المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية.
تنتج المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية كل عام الكثير من البيانات تكفي لتشكيل كومة من الأقراص المدمجة، بارتفاع عشرين كيلومترا. ولا تستطيع أقسام المحفوظات “الأرشيف” حتى الآن الاحتفاظ بكل هذه البيانات، لذلك يتم توزيعها في جميع أنحاء العالم. وهناك أكثر من 200 من الجامعات ومعاهد الأبحاث قامت بتوصيل مراكز الحاسب الآلي لديها مع بيانات المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية، مكونة شبكة عالمية.
علماء فيزياء الجسيمات من كل أنحاء العالم مسموح لهم بالوصول إلى بيانات المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية. فالمنظمة تعتبر نفسها مقدم خدمات للجامعات والمعاهد التي تعمل في مجال البحوث الأساسية، كمشروع مشترك للبشرية جمعاء.