مقالات في الفيزياء

[فيديو] التفسير الفيزيائي الصحيح لانخفاض سرعة الضوء في الماء | التفسير الذي تعلمناه كان خاطئ!

نعلم ان سرعة الضوء في الفراغ تبلغ ٣٠٠ مليون متر في الثانية وهي أقصى سرعة في الكون، ولكن عندما يمر الضوء عبر مواد شفافة، مثل الزجاج أو الماء، يتباطأ وتقل سرعته وعندما يترك الوسط الشفاف يعود الضوء إلى سرعته الطبيعية.

لماذا تقل سرعة الضوء في الوسط الشفاف؟

لماذا يعود إلى سرعته الطبيعية بعد أن يغادر الوسط؟

ما الدور الذي تلعبه المادة لتجعل سرعة الضوء أقل؟

ماذا لو اخبرتك ان العديد من التفسيرات في الأنترنت وفي الكتب تقدم تفسيرات خاطئة وغير مقنعة؟

في هذه الحلقة من تبسيط مفاهيم الفيزياء، سوف نستوضح الأمر بشكل علمي، ونوضح هذه التفسيرات الخاطئة، ونبين لماذا هي خاطئة، ونقدم حقيقة ماذا يحدث للضوء عندما يعبر إلى وسط شفاف، والسبب الذي يجعله يتباطأ.

وكالمعتاد سوف نستذكر الكثير من المعلومات الفيزيائية من خلال ربط المفاهيم الفيزيائية للوصول إلى الإجابة الصحيحة والمقنعة.

اعلانات جوجل

ابقوا معنا للوصول إلى التفسير العلمي الصحيح لسبب تباطأ الضوء عندما يعبر في الزجاج أو الماء أو أي وسط شفاف.

نعلم ان سرعة الضوء في الفراغ هي ٣٠٠ مليون متر في الثانية، لكنها تختلف بشكل كبير في المواد المختلفة. فعلى سبيل المثال تكون سرعة الضوء في الماء حوالي ٢٢٥ مليون متر في الثانية، وفي الزجاج تكون 200 مليون متر في الثانية.

ونتيجة لهذا تبدو الأشياء مشوهة عندما ينتقل الضوء من وسط إلى آخر. أي شعاع ضوئي يسقط بزاوية على سطح وسط شفاف، فانه يغير اتجاهه، ونطلق على هذه الظاهرة بانكسار الضوء وأثره هو التشوه الذي تراه.

من معلوماتنا السابقة نعلم ان كل مادة لها معامل انكسار، وهو مجرد مصطلح يشير إلى مقدار تباطؤ الضوء في تلك المادة ويرمز له بالرمز n ودائما ما يكون أكبر من واحد لأنه يمثل النسبة بين سرعة الضوء في الفراغ إلى سرعته في الوسط.

وضعت أمامكم جدول لقيم معامل انكسار بعض المواد والتي تكون ١ في الفراغ و١٫٣٣ في الماء وحوالي ١٫٥ في الزجاج وفي الماس ٢٫٤.

افترض أنك تمتلك قطعة من الزجاج بمعامل انكسار قدره 1.5، وهذا يعني أن سرعة الضوء في الزجاج تساوي سرعة الضوء في الفراغ مقسومة على ١٫٥ أي ان الضوء يسافر بسرعة تعادل ثلثي سرعة الضوء في الزجاج أي ٢٠٠ مليون متر في الثانية.

دعونا الان نركز على موضوع انخفاض سرعة الضوء في الوسط الشفاف.

إذا أطلقنا شعاع ليزر على وسط زجاجي معامل انكساره يساوي ١،٥، فإن سرعة ضوء الليزر قبل ان يصل الزجاج تكون ٣٠٠ مليون متر في الثانية، وعندما يصطدم بسطح الزجاج تقل سرعته إلى ٢٠٠ مليون متر في الثانية وبمجرد خروج الليزر من الجانب الاخر يعود لسرعته ٣٠٠ مليون متر في الثانية.

ومن الملاحظ أيضا ان الضوء حافظ على اتجاهه، وانه يسير بعد أن يترك الزجاج في نفس الاتجاه تماما – أو بشكل أدق، في مسار موازي لاتجاه الضوء الساقط.

نعم ينحرف المسار قليلاً لكن تبقى زاوية السقوط مساوية لزاوية النفاذ من الزجاج.

والآن يأتي السؤال!

لماذا يتباطأ الضوء؟ وكيف يمكنه أن يتسارع مرة أخرى عندما يغادر؟

انتشرت عدة تفسيرات سمعنا بها في المدرسة او على صفحات الانترنت وهي خاطئة.

من هذه التفسيرات أن الضوء يتشتت بواسطة ذرات مادة الوسط. وهذا التشتت ناتج عن اصطدام الضوء بالذرات وينحرف بزاوية ثم يصطدم مع ذرة أخرى وينحرف بزاوية مختلفة وهكذا.

ان الضوء يسافر دائما بسرعة الضوء في الفراغ بين الذرات وإن دور ذرات الوسط هي تشتيت الضوء وتأخيره ليأخذ وقتا أطول مما كان سيستغرقه فيما لو كان يتحرك في الفراغ أو لو كان يتحرك في الوسط في مسار مستقيم.

وعندما نقول استغرق وقتا أطول فكأننا نقول انه يسير بشكل ابطأ.

وهذا تفسير معظم الناس للسرعة الابطأ للضوء في الماء او الزجاج.

لكنه خطأ.

حيث ان التشتت عملية عشوائية ولا يمكن للضوء باي حال من الأحوال ان يتشتت بنفس الزاوية، وان يسلك نفس الاتجاه الأصلي.

وإذا كان الضوء يتباطأ بسبب التشتت على ذرات مادة الوسط لكانت النتيجة هي ان الضوء سيخرج من الزجاج في جميع الاتجاهات. وهذا ما لا يحدث لذا يعتبر هذا التفسير خاطئ.

التفسير الثاني هو ان الضوء لا يتشتت بل يتم امتصاصه من قبل ذرات الوسط ومن ثم ينبعث مرة أخرى من الذرات التي امتصته، وتتكرر عملية الامتصاص والانبعاث والوقت الذي تستغرقه الذرة في عملية امتصاص وانبعاث الضوء هي ما تجعل الضوء يتأخر ويبطأ من سرعته.

بالرغم من ان هذه العلمية مقنعة وكثيرا ما وردت في الكتب الا انها خاطئة أيضا ولنرى لماذا؟

تكمن المشكلة في هذا التفسير في ان الذرة التي تمتص فوتون لا تتذكر من أين جاء الفوتون وكيف كان اتجاهه، فعندما ينبعث الفوتون يكون في أي اتجاه. وبالتالي نتوقع في حالة الامتصاص والانبعاث ان نرى شيء كهذا.

وهذا ما لا يحدث في الواقع.

ما الذي يحدث حقا داخل مادة الوسط وما هو التفسير الفيزيائي لتباطـأ سرعة الضوء في الماء او غيرها من المواد المختلفة.

قبل ان أقدم الإجابة اود ان تلاحظ عزيزي المشاهد ان ما ورد من تفسيرات قد اعتمدت على التعامل مع الضوء بطبيعته الجسيمية، وما سأقدمه من تفسير سيكون معتمدا على الطبيعة الموجية للضوء.

ولكن في البداية يجب ان نؤكد على بعض الخصائص الموجية

الخاصية الأولى وهي ان الموجة تتذبذب للأعلى وللأسفل والمسافة بين القمم المتتالية تعرف بالطول الموجي ومعدل تكرار هذه القمم في الثانية يعرف بالتردد وكلاهما يحدد خصائص الموجة.

اما الخاصية الثانية للأمواج هي انها تتداخل أو بمعنى ادق انه يمكن جمع الامواج.

والجمع يتم من خلال جمع سعاتها حسب طور كل موجة، فاذا كان قمم الموجتين متطابقتين أي متوافقتين في الطور او فرق الطور بينهما يساوي صفر ونحصل على موجة ذات قمة اعلى أو سعة أعلى وعندها يكون هذا تداخل بناء، وإذا كانت قمة موجة تتطابق مع قاع الموجة الثانية أي ان فرق الطور بين الموجتين يساوي ١٨٠ درجة فان الموجتين تلغيان بعضهما البعض ونحصل على تداخل هدام.

اما إذا كانت احدى الموجتين لها طول موجي مختلف عن الأخرى فان حاصل جمع الموجتين يعطي شكل موجي غير منتظم لوجود تغير مستمر في الطور بين الموجتين.

الان ننتقل إلى الضوء والذي هو موجة كهرومغناطيسية تتكون من مجالات كهربية ومغناطيسية.

في الفراغ، تسافر هذه الأمواج الكهرومغناطيسية بسرعة قصوى، وهي 300 مليون متر في الثانية، وهذا ما نقيسه. اما في المواد مثل الماء والزجاج فان مادتها تحتوي على جسيمات مشحونة.

لماذا مشحونة؟

لأنها تتكون من ذرات، والذرات تحتوي على بروتونات موجبة الشحنة وإلكترونات سالبة الشحنة. هذه الجسيمات تتأثر بالمجالات الكهرومغناطيسية المتغيرة، وهذا شيء نعرفه من معادلات ماكسويل.

لذلك، عندما يسافر الضوء عبر أي وسط شفاف مثل الزجاج أو الماء أو الهواء، تبدأ ذرات الوسط، في التذبذب والاهتزاز متأثرة بالمجالات الكهرومغناطيسية للضوء الساقط عليها.

ونحن نعلم أيضًا من ماكسويل أن الحركة التذبذبية للشحنات الكهربائية تُنشئ مجالًا كهرومغناطيسيا خاص بها. بمعنى آخر، الذرات، وخاصة حركة إلكتروناتها، تولد مجالات كهرومغناطيسية، لذلك يمكن القول إن حركة الكترونات ذرات مادة الوسط الشفاف تتسبب في انبعاث ضوء خاص بها سنقول عنه موجات كهرومغناطيسية مستحثة وتأتي بأطوال موجية مختلفة.

كل موجة ضوئية مستحثة، تسير بنفس سرعة الضوء. وما نراه بأعيننا ليس هذه الموجات الضوئية الفردية المستحثة، بل موجة ضوئية مُجمعة أو محصلة تداخل موجة الضوء الساقط على الزجاج وموجة الضوء المستحث.

نظرًا لتداخل الموجات الضوئية المستحثة مع شعاع الضوء الساقط على الوسط الشفاف تكون النتيجة لهذا التداخل موجة ضوئية مجمعة. وإن الموجة الضوئية المُجمعة في الزجاج والماء تسير بشكل أبطأ، أي أقل من سرعة الضوء في الفراغ، ويمكنك أن ترى كيف يحدث ذلك في الرسم التوضيحي الموضح هنا. وتسمى هذا السرعة بسرعة المجموعة ولمن يريد البحث أكثر في الانترنت يبحث عن جروب فيلوستي أي سرعة المجموعة.

لذلك، السرعة الظاهرة للضوء في الوسط الشفاف، أي ما نراه بأعيننا، هي سرعة المجموعة أو سرعة الموجة المُجمعة، التي تكون أبطأ من سرعة الضوء في الفراغ، مع إن جميع الأمواج الكهرومغناطيسية لا زالت تسير بسرعة الضوء في الفراغ الا أن الموجة المتراكبة هي التي تتحرك بسرعة أبطأ، وهذا هو السبب في أنه لا يحدث أي تسارع أو زيادة في سرعة الفوتونات الفردية بعد مغادرة الضوء للمادة. لأنه في الواقع، كانت تسير بالسرعة القصوى طوال الوقت وكل ما هناك تداخل مع موجة كهرومغناطيسية مستحثة في الوسط الشفاف، وبعد ان خرج الضوء لم يعد للموجة الكهرومغناطيسية المستحثة أي تأثير.

ودعوني أؤكد لكم ان الضوء يتحرك بنفس سرعته في الفراغ حتى وهو في داخل وسط شفاف فنحن نعلم ان أي وسط يتكون من ذرات وإذا انتقلنا داخل الذرة، نرى أن الذرة هي في الأساس عبارة عن حجم فراغ، كل كتلة الذرة مركزة في النواة الصغيرة في المركز. ولإعطائك فكرة عن مدى صغر النواة بالنسبة للمادة، تخيل أن الذرة بحجم ملعب كرة قدم. ستكون كل كتلة هذا الملعب مركزة في نواة بحجم حبة رمل. بقية الذرة ستكون فارغة تمامًا، سيكون هناك إلكترونات تدور حولها، ولكن حتى الإلكترونات تشبه نقاط صغيرة. لذا من منظور مجهري، الذرة مجرد فراغ. وبالتالي من منظور الضوء، المادة هي دائمًا فراغ، سواء كنت تتحدث عن الزجاج أو الماء أو أي مادة أخرى. الضوء سيكون دائمًا مسافرا في الفراغ، وبالتالي سرعة الضوء لن تتغير أبدًا لأنها دائمًا تسافر في الفراغ. وان الضوء لا يتأخر في الوسط بسبب التصادمات مع ذرات الوسط بل بسبب ان موجة الضوء الكهرومغناطيسية تستحث موجة ضوء أخرى تتداخل معها وتتحرك كمجموعة موجية بسرعة اقل من سرعة الضوء الفعلية.

هذا هو التفسير الأدق لسبب تباطأ الضوء عند عبوره المادة.

والآن عزيزي المشاهد قد يتبادر إلى ذهنك ما سبب حدوث الانكسار بمعنى خروج الضوء من المادة مزاحا عن امتداد سقوطه الأصلي، معك حق فهو أيضا سؤال يحتاج إلى توضيح وتفسير، اكتب التفسير في التعليقات، وان تطلب الامر اعد حلقة توضح السبب!

آمل أن يكون الفيديو قد اعجبك وأضاف المزيد من التفسير والتوضيح لدقة الفيزياء في تفسير الأشياء من حولنا.

ارجو ان منكم الاعجاب بالفيديو والاشتراك في القناة ليصلكم كل جديد، وحتى نلتقي في الحلقة القادمة استودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الدكتور حازم فلاح سكيك

د. حازم فلاح سكيك استاذ الفيزياء المشارك في قسم الفيزياء في جامعة الازهر – غزة | مؤسس شبكة الفيزياء التعليمية | واكاديمية الفيزياء للتعليم الالكتروني | ومنتدى الفيزياء التعليمي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى