مقالات في الفيزياء

الثقب الأسود، ما بين الحياة والموت

أشكركم بامتنان على تبرعكم

هل تسمع كثيرًا عن الثقب الأسود؟! هل تتساءل عن هذا الثقب وما هو؟

اليوم في هذه المقالة سنُجيب عن كافة التساؤلات التي في ذهنك بكل سهولة ويسر.

يُعتبر الثقب الأسود طفرة كبيرة في علم الفيزياء وكافة العلوم تبطُل أمامها أساسيات الفيزياء، أعظم اكتشاف في ربع القرن الحالي! وجدت تساؤلات جديدة، بعد مشهد غريب شاهده العلماء أثناء تصوير بعض النجوم في مجرة درب التبانة.

اعلانات جوجل

عدة نجوم تم رصدها تدور في مسارات ثابتة حول نقطة معينة، ولكن هذه النقطة كانت فراغ، حيثُ كان هذا المشهد لأول مرة يرصده علماء الفلك منذ ولادة الكون.

ما هو تفسير هذا المشهد؟ وما سبب هذا التجمع الهائل الذي سرق أنظار العلماء نحوه؟

اكتشف العلماء أثناء تصويرهم لبعض النجوم في مجرة درب التبانة، منطقة موجودة في الزمكان (الفضاء بأبعاده الأربعة، وهي الأبعاد الثلاثة الطول، العرض، والارتفاع، إضافة إلى الزمن)، تم رصد هذه المنطقة عن طريق تلسكوبات تعمل بالأشعة تحت الحمراء، تتميز هذه المنطقة بجاذبيتها القوية جداً التي لا يستطيع حتى الضوء الهروب منها.

واحتار العلماء في تسمية هذه الظاهرة؛ فأطلقوا عليها ظاهرة الثقب الأسود، وتم اعتماد مصطلح “الثقوب السوداء” عام 1967 من قبل عالم الفلك الأميركي جون ويلر  John Wheelerاستمرت اكتشافات العلماء؛ ليتضح فيما بعد أنّ مجرة درب التبانة مليئة بمئات الثقوب السوداء النجمية، ولكن لم يستطع العلماء اكتشافها بسهولة؛ لأن الثقوب السوداء لا تعكس الأشعة الساقطة عليها وإنما تمتصها.

ما فضح وجود هذه الثقوب هو تجمع الغازات والنجوم حولها بقوة؛ فتسخن سخونة شديدة؛ مما يؤدي الى إشعاع نور شديد فيصبح شكل أسطواني يطلق أشعة، يدور حول شكل كروي غير مرئي هو الثقب الأسود.

اعلانات جوجل

تصنيف الثقوب السوداء

تصنيف الثقوب السوداء

صنف علماء الفلك الثقوب السوداء الى ثلاثة أنواع:

الثقوب السوداء النجمية صغيرة الكتلة

تتكون نتيجة انهيار نجوم مفردة، عالية الكثافة، صغيرة نسبياً؛ مما يؤدي إلى قوة جاذبية هائلة تسحب الأشياء الموجودة حولها، وتستهلك الغبار والغازات من المجرات.

 الثقوب السوداء الهائلة

توجد تقريباً في مركز كل مجرة ومن ضمنها مجرة درب التبانة، حجمها أكبر من الشمس بمليار مرة.

احتار العلماء في كيفية تشكلها، فربما قد تتكون نتيجة اندماج الآلاف من الثقوب السوداء صغيرة الكتلة، أو قد تتكون نتيجة انهيار عنقود نجمي، أي انهيار مجموعة من النجوم معاً.

اعلانات جوجل

الثقوب السوداء المتوسطة الكتلة

اعتقد العلماء سابقاً أن الثقوب السوداء قد تأتي من نجوم كبيرة أو صغيرة، ليتبين فيما بعد وجود ثقوب سوداء معتدلة، أو متوسطة، وقد تتشكل هذه الثقوب السوداء المتوسطة نتيجة تصادم العناقيد النجمية ضمن سلسلة تفاعلات.

كيف ولدت الثقوب السوداء؟

يولد الثقب الأسود نتيجة انفجار نجم كبير جداً، يتكون هذا النجم بشكل أساسي من تجمعات مهولة من ذرات الهيدروجين.

تحدث تفاعلات نووية داخل النجم، تندمج فيها ذرات الهيدروجين مكونة هيليوم، وينتج كميات مهولة من الطاقة تخرج من النجم تعاكس جاذبية النجم؛ فيبقى النجم مستقراً.

هذه التفاعلات تحدث داخل جميع النجوم ومنها الشمس، ولكن كلما زاد حجم النجم زاد الضغط والحرارة داخل لُب النجم؛ مما يسمح لهذه النجوم بدمج عناصر أثقل من الهيدروجين مثل: الهيليوم، والكربون، والنيون، والأكسجين، والسيليكون، والحديد.

اعلانات جوجل

كما أن جميع هذه التفاعلات ينتج عنها طاقة تُبقي النجم مستقراً، ما عدا التفاعل الذي ينتج عنه عنصر الحديد، هو التفاعل الوحيد الذي لا يُنتج طاقة؛ فيختل توازن النجم من حيث جاذبية النجم والطاقة الخارجة.

مع استمرار التفاعل؛ يزداد وجود عنصر الحديد في اللب حتى ينهار لب النجم على نفسه في جزء من الثانية وينكمش بسرعة تصل ربع سرعة الضوء، وينتهي بانفجار هائل في الفضاء ينتج عنه نجم نيوتروني أو ثقب أسود إذا كان النجم عملاقاً بما فيه الكفاية.

ما هو مصير الجسم لحظة دخوله مجال أفق الحدث؟

أفق الحدث: هو المنطقة المحيطة بـ الثقب الأسود، ينبعث منها ضوء لا يمكن أن يتجاوز الحد للوصول للجهة الأخرى من أفق الحدث.

عند وصول أي جسم مجال أفق الحدث لا يمكنه النجاة نهائياً؛ فيصبح مصيره محدداً لا يمكن التخلص منه، حتى لو بلغت سرعة الجسم سرعة الضوء، فعند لحظة الاقتراب من الثقوب السوداء يكون الوقت بطيء جداً؛ حيث يتأثر بالجاذبية بشكل مباشر؛ فكلما زادت الجاذبية تمدد الوقت، بعد دخول الجسم الثقب الأسود يتوقف الوقت تماماً، ويموت الجسم بعدها مباشرة؛ حيث افترض أغلب الباحثين أن داخل الثقب انحناء للوقت والمكان يسمى المنفردة، كلما اقترب الجسم منها يتم سحقه مهما كان حجمه في مساحة صغيرة جداً، وكثافتها عالية، وتكون أحياناً ليس لها أبعاد؛ لشدة صغرها، وتكبر المنفردة كلما سحقت أشياء بداخلها.

عواميد الفيزياء نظرية النسبية وميكانيكا الكم تعجزان عن تفسير الثقب الأسود!

لطالما كانت النسبية وميكانيكا الكم اللتان وضعهما أينشتاين هما النظريتان اللتان تتحكمان بالعالم، ليصل بها المطاف عاجزة حال وصول الجسم الثقب الأسود، حيث تختل كل شروط النظريتان.

تفترض النسبية، عند دخول الجسم منطقة أفق الحدث فإنه يبقى متجهاً إلى داخل الثقب حتى يختفي أثره، ولا يمكن أن يبقى الجسم خارج الثقب، وعند اختفاء الثقب فإنه يختفي كل شيء دخل إليه.

على العكس في نظرية ميكانيكا الكم، حيث ترفض دخول شيء دون خروجه؛ لذلك لا يمكن لأي جسم أن يدخل الثقب دون خروج.

لو أُتيح لك الخيار ماذا ستقرر عزيزي القارئ أي النظريتان أصح وهما اللتان تحكمان العالم معاً؟

في عام 1990 قام العالم ليونارد سوسكيند (Leonard Susskind) وزملائه باقتراح نظري لحل لغز الثقب الأسود، حيث أثبت صحة النظريتان معاً، أي أن الجسم يمكنه أن يكون داخل الثقب وخارجه في الوقت ذاته، فيكون حياً داخل الثقب وميتاً خارجه في ذات الوقت دون وجود أي صلة بين الجسم في المكانين، ربما راودكَ الفضول في كيف يكون في مكانين في الوقت ذاته؟

موت الثقب الأسود!

لكل شيء أجل، وكل نهاية هي بداية لحياة جديدة؛ فكما كانت نهاية النجم ولادة ثقب أسود؛ لا زال العالم في شوق لمعرفة نهاية الثقب الأسود، فهل يموت؟ الثقب الأسود يحتاج لمدة كبيرة جداً تفوق عمر البشرية مهما طال عمرها، حيث يطلق الثقب الأسود إشعاعات يفقد بها كتلته تدريجياً حتى يصل لمرحلة يموت بها.

صورة رصدها العلماء عن طريق الصدفة كانت مفتاحاً لأحد الأسرار الكونية، وإجابة لأسئلة حيرت الكثير من الفيزيائيين لمئات السنين؛ ليتضح فيما بعد أن لكل نهاية بداية جديدة، وأن هذا الكون مليء بالأسرار والخبايا التي ستنكشف في زمن من الأزمان.

ختامًا للمقال، لا تنسوا دعواتكم الصادقة لروح كاتبة المقال الشهيدة تسنيم حجازي هي وعائلتها.

أشكركم بامتنان على تبرعكم

تسنيم حجازي

تسنيم حجازي، تبلغ من العمر 20 عامًا، كانت تدرس علوم فيزياء في جامعة الأزهر غزة مميّزة بشغفها وحبها لعلم الفيزياء، تتميّز بذكاء ورغبة قوية في استكشاف أعماق هذا المجال تبحث وتدرس بشغف وتفانٍ، لكنها استشهدت هي واسرتها في تاريخ 19/11/2023 بقصف غادر على منزلهم.. سيتم نشر المقالات التي كتبتها ليكونوا صدقة جارية عن روحها، شاهدة على إرثها العلمي ونقطة انطلاق لمن يأتوا بعدها، مستفيدون من علمها وإلهامها. دعواتكم الصادقة لروح تسنيم ولعائلتها.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى