المستشعرات الفائقة الحساسية
منذ نشأة الاستطلاع الجوي والجيوش تحاول الاختفاء عن الرصد الجوي سواء أكان ذلك عن طريق طائرات الاستطلاع التي يقودها الطيارون أو طائرات المراقبة غيرالمأهولة وكانت محاولات التخفي أمرا ميسورا إلى حد بعيد أما بعد التطورات التكنولوجية الرهيبة التي شهدها القرن العشرين في أواخره وشملت أساليب وعناصر الاستطلاع واستخدام المستشعرات الفائقة الحساسية التي تحملها الأقمار الصناعية بات من الصعب إخفاء أي تحرك أو نشاط عسكري. إلا أن جهود العلماء في تطوير تقنيات الاختفاء عن الرصد الفضائي تمكنت بعد جهد شاق أن تحول المستحيل إلى الممكن لكن قبل الحديث عن أحدث الأساليب التي يمكن بها مواجهة الاستطلاع الفضائي بل وخداعه ما هي أنواع الأقمار الفضائية التي تجوب الفضاء الخارجي؟
تتنوع أغراض وأنواع الأقمار الصناعية العسكرية التي تحيط بنا فهناك الأقمار المخصصة لتوجيه الطائرات والسفن وتقديم المساعدات الملاحية لها بجانب توجيه الصواريخ الجوالة التي تستخدم أنظمة تحديد المواقع General positioning systems . وهناك أيضا أقمار الاتصالات والتي تساعد في إتمام الاتصالات بين مختلف القواعد المنتشرة حول العالم والقطع البحرية مثل الغواصات والحاملات وبين قياداتها، أما أقمار الاستطلاع الفضائية فهي ذات أغراض متعددة فمنها ما هو محدود بقطاع ضيق للمراقبة وهي الأقمار التكتيكية ومنها ما هو واسع النطاق للاستخدامات الإستراتيجية ومع ذلك تكون قادرة على توضيح تفاصيل الأهداف بدقة بالغة وهناك الأقمار الخاصة بمراقبة التفجيرات النووية واكتشاف أي تجارب غير موافق عليها ومتابعة التجارب المصدق عليها وكثيرا ما تطلق بعض الأقمار لأغراض محدودة ومؤقتة تخرج من نطاق الخدمة فور الانتهاء من مهامها.
ومن الأقمار ما هو ثابت المدار والارتفاع ومنها ما هو متزامن مع دوران الأرض فيبقى ثابتا فوق المواقع المطلوب استطلاع نشاطها.
وتجهز الأقمار بالمعدات المناسبة طبقا لمهامها والتي تشمل الكاميرات العالية الحساسية والدقة والمستشعرات ذات الحساسية الفائقة لاكتشاف المصادر التي تصدر حرارة أو تحدث تغييراً في المجال المغناطيسي وبجانب ذلك فهناك معدات الرصد الإلكتروني لمحطات الرادار والاتصالات والتصنت عليها ثم أخيرا معدات الإعاقة والتداخل لإبطال مفعول أجهزة الاتصالات والرادار وإعاقة تشغيلها.
وللدلالة على اتساع وتنوع استخدامات الأقمار العسكرية وكثرة أساليبها وأنواع استطلاعها نذكر أن الفضاء الكويتي كان مغطى أثناء حرب الخليج الثانية بـ25 قمراً لكل منها هدف وغاية مختلفة أو للتأكيد على صحة المعلومات التي يتم استخلاصها من بعضها أو من المصادر الأخرى.
خداع مستشعرات التصوير الفضائية
مع أن معدات التصوير الحراري والليزري وحتى العادي أصبحت مفرطة الحساسية إلا أنه بالمقابل أمكن بالتقنيات الحديثة لشباك التمويه التي تمتص الموجات الحرارية ولا تسرب سوى 10% من الطاقة الحرارية الناتجة من تشغيل المحركات جعل الصورة الحرارية التي تحصل عليها الأقمار صورة مشوهة لا تعبر عن حقيقة النشاط الدائر تحت شباك التمويه تلك.
وأمكن أيضا باستخدام أحدث تقنيات بناء المواقع الهيكلية تضليل المستشعرات الفضائية التي ترصدها ومن ورائها فريق ضخم من محللي البيانات الذين يدرسون هذه الصور وقد بلغت هذه المواقع الهيكلية حدا كبيرا من الاتقان فهي تبنى بحجم حقيقي أو بأجزاء غير صالحة فنيا من المعدات الحقيقية ويجرى إصدار موجات حرارية منها لإظهار بعض مظاهر تشغيلها للخداع بوجود حياة بهذه المواقع وكثيرا ما يضاف بعض النشاط البشري المحدود ليكون الخداع كاملا وقد يضاف أيضا بعض معدات لإطلاق بعض الإشارات والموجات اللاسلكية.
ويمكن أيضا خداع المستشعرات الفضائية بحالة مهبط للطائرات بعد إصلاحه من التدمير نتيجة للقصف الجوى وذلك بوضع بقع ملونة حتى يظل محللو الصور الجوية مصدقين لتعطله ومع أنه من الممكن تواجد بعض معدات التصوير التي تمكنها تقنياتها من اختراق الدشم الخرسانية السميكة للمعدات ولكن شركات المخابئ تعلن كل يوم عن تقنيات حديثة تظهر لمواجهة هذه الكاميرات وكثير من هذه التقنيات يتناول إضافة خلطات لمواد البناء تمنع هذا الاختراق وتعطي نفس الانطباع للأرض المحيطة بها وتمتص أي نشاط أو انبعاث حراري وتخفضه إلى درجة كبيرة. ويستخدم الجيش الألماني قذائف دخانية من إنتاج شركة (Buck) قادرة خلال 30ثانية على تغطية مساحات تبدأ من مترين وحتى مائتين متر وتستمر لمدة 15 دقيقة والمحاولات مستمرة لرفعها إلى ساعات أطول وهذه السحابة قادرة على إخفاء أكبر قدر ممكن من الآثار الحرارية والبصرية والرادارية لتشغيل المعدات تحتها.
خداع مستشعرات البث الإلكتروني
يمكن خداع مستشعرات استشعار البث الإلكتروني وتضليل حواسبها التي تحاول تحليل النبضات المستطلعة لتتوصل إلى تردداتها ومصادرها وتتصنت عليها ثم تبث على نفس موجاتها ما يسبب إعاقتها ويتم كل ذلك بإعداد مصادر تقوم ببث الموجات الإلكترونية والليزرية الزائفة مع تغيير تردداتها وقدرتها وسعتها طبقا لمواصفات المصادر الحقيقية المطلوب خداع المستشعرات بتواجدها وقد يكون هذا المصدر الزائف جزءاً من الموقع الهيكلي لمحطة رادار أو اتصالات أو مركز قيادة وفي نفس الوقت يكون الموقع الحقيقي صامتا ومخفيا جيدا لحين بدء العمليات الفعلية. كما أن انتشار المواقع الزائفة وسط المواقع الحقيقية حتى و لو كانت الحقيقية تعمل بصورة طبيعية يجعل جهود العدو مشتتة وموزعة بينهما. ويستغرق المحللون وقتا ثمينا لمحاولة التفرقة بينهما في حين يكون قد تم لتعطيلهم وإفساد مهمتهم.
وهناك تقنيات أخرى ومع أنها ليست حديثة إلا أنها مازالت فعالة مثل استخدام العواكس الركنية المتطورة والشبكات المموهة التي تقلل انعكاس الأشعة الرادارية وتمتص جزءاً كبيراً منها فلا تكتشفها المستشعرات الرادارية الفضائية وتعتمد هذه الشباك على تشتيت الأشعة الرادارية المنعكسة فلا يرتد منها للمستشعرات إلا ما يكون صورة مشوهة بالإضافة إلى ظهور اتجاه عام لجعل المعدات خفية واختيار زوايا تصميم هياكلها لتشتت الموجات الرادارية (Scattering) أو امتصاصها وهناك أيضا الدهانات الواقية والألواح العازلة التي تستخدمها المعدات. ولخداع المستشعرات الصوتية أمكن إعداد مصادر صوتية زائفة تصدر نفس الترددات والطاقات التي تصدرها محركات القطع البحرية أو المطارات مثلا أثناء تسخين محركات الطائرات بدشمها للإيهام بتواجد أنشطة غير حقيقية بينما يتم خفض ضجيج المحركات الأصلية سواء عن طريق تصاميمها الأصلية أو بوسائل كتم الصوت وخفضه أثناء التشغيل أما المستشعرات التي تكتشف الأهداف عن طريق التأثيرات المغناطيسية فإن كثيرا من المعدات البحرية على وجه الخصوص لاستخدامها هذه التقنيات بوسائل كشفها يتم تصنيعها من مواد غير مغناطيسية مما يخفض اضطرابات خطوط القوى والمجالات المغناطيسية وهذه الاتجاهات هي اتجاهات تصميم وتطوير عامة تعمل على خفض الوزن والتكاليف وتقليل فرص الكشف بالمستشعرات المغناطيسية.
تقييم استخدام تقنيات الإخفاء
نظرا لاهتمام مراكز البحث بتقييم نجاح وسائل خداع المستشعرات الفضائية التي ترصد الأنشطة العسكرية نشرت وزارة الدفاع الأمريكية في يونيو 2002 مجموعة من الدراسات التي أجريت في هذا المضمار واشتركت فيها محطات فضائية ومراكز تحليل ووحدات بحرية وبرية وأسراب من طائرات الاستطلاع قامت بـ 2000 طلعة جوية وأخذ في الاعتبار جوانب متعددة منها توقيت الاستطلاع الفضائي ومدته والظروف الجوية والبيئية الموجودة فيها المعدات وأثبتت هذه الدراسات أن تقنيات الإخفاء الحديثة سببت تراجع اكتشاف الأهداف من 80% إلى 40% وهو جملة أهداف زائفة بنسبة 27% وارتفعت فرص نجاة الأهداف الحقيقية من 11% إلى 36% وقد أيدت الاستخبارات الأمريكية هذه النتائج وأظهرت دراساتها هي الأخرى أن استخدام تقنيات الإخفاء الحديثة أدت إلى تحليل خاطئ في 30% من الصور الاستطلاعية الملتقطة بالأقمار الصناعية. والحقيقية إن تحليل الكم الهائل الملتقط بواسطة مستشعرات الأقمار الفضائية يستغرق وقتا ليس بالقليل بالرغم من توافر الحاسبات الفائقة السرعة والمتسعة الذاكرة التي تقوم بهذه التحليلات ولولا التركيز على أنشطة معينة وقطاعات محدودة لفترات قصيرة لما أمكن لمراكز التحليل الفضائية الاستفادة الواقعية من البيانات المستطلعة وقد أثبتت هذه الحقيقة أيضا الدراسات التي تلت حرب الخليج الأخيرة حيث أظهرت أن الاستفادة العملية لمعرفة تحركات بعض الوحدات وتغيير تمركزها لم تكن مفيدة حيث إن هذه البيانات وصلت للوحدات المواجهة لها بعد فوات الأوان وما لم يتم تحديد أولويات خاصة لسرعة تمرير معلومات معينة لن يمكن عمليا الاستفادة من تلك المعلومات في ظل ما تسببه تقنيات الإخفاء الحديثة من إرباك وتطويل لفترات التحليل في محاولة فصل الزائف واكتشاف الحقيقي.