عاممقالات في الفيزياء

تسعة أسئلة إذا أجبت إحداها ستحصل على جائزة نوبل

هذا المقال كتبته الشابة النابغة الشهيدة تسنيم حجازي، حلمت بمشاركة علمها ومقالاتها مع العالم، لكنها رحلت عن عالمنا قبل أن تكمل مسيرتها، ولكن روحها ستبقى حاضرة بيننا من خلال كلماتها التي أضاءت بها هذا المقال. 

خلال العقود الثلاثة الأخيرة أحدثت ميكانيكا الكم والنسبية لاينشتاين ثورة كبيرة في علم الفيزياء، وكل اكتشاف جديد يقود إلى متاهات وطرح أسئلة أكثر، ففي عام 1900 صرّح العالم الفيزيائي لورد كلفن بأنه “لن يكون هناك اكتشافات جديدة في الفيزياء بعد الآن وما تبقى عبارة عن قياسات أكثر دقة يمكن إجرائها فقط”، ولكن ما حدث بعد ذلك أثبت للعلماء بأن معرفتنا في الفيزياء ما زالت بعيدة عن الاكتمال، ومع كل اكتشاف يتضح بأن الكون أكبر وأعقد مما نتخيل، فما هي الأسئلة التسعة التي يمكن أن تقودك إلى جائزة نوبل؟ تابع معي عزيزي القارئ علّ إجابة إحدى هذه الأسئلة تكون على يدك.

السؤال الأول: ما هي الطاقة المظلمة؟

اعلانات جوجل

لا أعتقد أن مصطلح الطاقة المظلمة يمرّ عليك للمرة الأولى، فما هي حقيقته؟

لا زال العلماء يحاولون اتباع أغرب الوسائل لضغط الأرقام، وجعلها تتناسب مع الكون ، كما تعلم عزيزي القارئ بأن الجاذبية تقوم بجذب الأشياء نحوها، أي أنّ عملها يكمنّ ربما في الانكماش، إلا أن الكون يستمر في التوسع يومياً وبشكل سريع جداً؛ وهذا ما دفع العلماء المختصين بالفيزياء الفلكية لاقتراح وجود عامل غير مرئي يعمل على تمدد الكون بشكل معاكس للجاذبية أُطلق عليه الطاقة المظلمة، وهي تمتلك ضغط سالب يعمل على توسع الكون ؛ مما يعمل على زيادة الفضاء الذي يحتوي على المزيد من الطاقة المظلمة. مجرد اقتراح أطلقه العلماء ولا تُعرف ماهيته حتى اليوم، واعتماداً على عمليات الرصد التي يجريها العلماء لمعدل توسع الكون ؛ افترض العلماء أن مجموع الطاقة المظلمة التي يجب وجودها في الكون تتألف من 70% من محتوى الكون الإجمالي، فما هو تفسيرك لهذا.

أما السؤال الثاني: ما هي المادة المظلمة؟

حتى اليوم لم يتمكن العلماء من مشاهدة الطاقة المظلمة أو رصدها مباشرة ؛ على الرغم من تأثيرها البارز على المواد المرئية والإشعاعات والبنية الكونية، يعتقد العلماء بأن هذه المادة منتشرة في محيط المجرات كأنها شبح، وربما تتألف من جسيمات ضعيفة لا تتفاعل مباشرة أُطلق عليها اختصاراً WIMPs، كرّس العلماء مجموعة كبيرة من الكواشف في جميع أنحاء العالم للبحث عن هذه الجسيمات، ولكن مع الأسف لم يتم رصد أي جسيم منها حتى الآن.

اعلانات جوجل

اقترحت إحدى الدراسات الحديثة بأن هذه المادة المظلمة ربما تتكون من أشرطة حبيبية رقيقة تمتد في الكون ، أو تنطلق من الأرض، وسّع تفكيرك عزيزي القارئ فربما تتوصل لتفسير مقنع.

السؤال الثالث: ما هو سبب وجود سهم الزمن؟

جميعنا نتمنى العودة بالزمن إلى لحظات جميلة ربما عشناها في الماضي، السؤال الذي يراودنا دائماً بمجرد التفكير بالأمر: لماذا يتقدم الزمن إلى الأمام فقط؟ ولماذا لا يوجد عودة بالزمن؟ هذا يتعلق بخاصية كونية تسمى الإنتروبي، وتشير للفوضى أو العشوائية في الكون ، وإحدى خواصها أنها تتزايد فقط، ولا يوجد طريقة لعكس الإنتروبي، وتغير الأشياء يقودها إلى السقوط في الفوضى ويبقى السؤال لماذا تتزايد الإنتروبي؟ أو لماذا كان الكون مرتباً أكثر في بدايته عندما كانت الطاقة محكومة داخل الحيز الصغير من الفضاء؟

السؤال الذي يطرح نفسه هل يوجد ترتيب داخل الفوضى؟

عجز الفيزيائيون عن حل مجموعة من المعادلات التي تصف سلوك الموائع بدقة، وليس معلوماً وجود حل تام لمعادلات نافييه-ستوكس، أو وجود حل يمكنه وصف الموائع بدقة في أماكن مختلفة؛ لذلك لا زالت الفوضى ظاهرة غير مفهومة جيداً ولا زال العلماء يتساءلون عن العديد من الظواهر الغير مفهومة والتي تحكمها الفوضى.

اعلانات جوجل

 هذا السؤال عن أكثر المواضيع الشيقة في الفيزياء: هل الأكوان الموازية حقيقية؟ 

بدايةً الأكوان الموازية ما هي إلا أجزاء كونية تتطابق تماماً مع كوننا؛ بحيث تحتوي شخصاً آخر مطابقاً لك تماماً باختلاف موقع جسيم واحد فقط.

من المعلوم أن الزمكان منحنياً، ولكن أشارت بيانات الفيزياء الفلكية آنفا إلى إمكانية كون الزمكان مسطحاً وليس منحنياً؛ وهذا يدفع إلى استمراره إلى ما لانهاية، ومدى صحة ذلك يشير إلى أن الكون الذي نعيش به هو مجرد جزء من كون متعدد لا نهائي، ولكن في الوقت ذاته بينت ميكانيكا الكم وجود عدد محدود من التشكيلات الجسيمية المحتملة في كل جزء كوني، وجود عدد لا نهائي من الأجزاء الكونية؛ يجبر الترتيبات الجسيمية في داخلها على تكرار نفسها بصورة لانهائية، وهذا يعني وجود عدد لا نهائي من الأكوان المتوازية. إذا كانت هذه النتائج صحيحة فكيف يمكننا اكتشاف الأكوان الموازية؟

السؤال الجديد الذي يطرح نفسه ما هو مصير هذا الكون ؟

كثيراً ما يراودنا سؤال هل سيموت الكون ، وما هو مصيرنا حينها؟

موت الكون حقيقة ثابتة نوقشت بالتفصيل من قِبل العالم الفيزياء باول سوتر في مقالة نُشرت في شهر ديسمبر عام 2015، ولكن ما حير العلماء هو مصير الكون ، أو الطريقة التي يموت بها، وهذا يعتمد على عامل يقيس كثافة الطاقة والمادة في جميع أرجاء الكون يسمى أوميجا، واعتماداً على هذا العامل فإن موت الكون له ثلاث احتمالات: 

أولاً: إذا كانت قيمة أوميجا أكبر من واحد: في هذه الحالة سيكون الزمكان مغلقاً يشبه سطح كرة عملاقة، وإذا لم يكن هناك طاقة مظلمة؛ فإن الكون في النهاية سيتوقف عن التوسع ويبدأ بالانكماش على نفسه، وهذا ما يعرف بـ الانسحاق العظيم. أما إذا كان الكون يمتلك طاقة مظلمة؛ فإنه سيستمر بالتوسع إلى الأبد.

ثانياً: إذا كانت قيمة أوميغا تساوي الواحد: فإن الكون سيكون مسطح ممتد بشكل مستوٍ و يتوسع بشكل لا نهائي في كل الاتجاهات، إذا لم يكن هناك طاقة مظلمة فإنه سيستمر بالتوسع بشكل مستمر، ولكن بمعدل متباطئ أكثر؛ حتى يصل إلى نقطة ثابتة .أما في حالة وجود طاقة مظلمة؛ فإن التوسع سينتهي في لحظة ما و يؤدي إلى تمزق عظيم.

ثالثًا: إذا كانت قيمة أوميجا أقل من واحد: هنا سيكون الكون مفتوح يشبه سرج الحصان، وفي هذه الحالة سيتجمد الكون بما يعرف بالتجمد العظيم يتبعه تمزق عظيم؛ حيث أن التسارع الكوني المتجه للخارج سيقوم بتمزيق المجرات والنجوم تاركاً وراءه مادة مجمدة، ثم ينمو التسارع ليصبح أقوى ويتغلب على تأثيرات القوة التي تربط الذرات معاً، فيتمزق كل شيء….أمراً مخيفاً أن تكون نهايتنا التمزق والتلاشي داخل هذا الكون اللانهائي.

السؤال السابع: لماذا يوجد مادة أكثر من المادة المضادة؟

للوهله الأولى ربما ستقرأ السؤال أكثر من مرة لمحاولة فهمه، تابع معي عزيزي القارئ هذا السؤال يشبه سؤال: ما هو سبب وجود المادة والمادة المضادة اساساً؟ نعلم أن الكون يتكون غالباً من أشياء متناظرة وكل ما في الكون له معاكس، فالمادة التي توجد في الكون لها أيضاً مادة مضادة معاكسة لها في الشحنة والدوران، يُفترض بأنه عند لحظة الانفجار العظيم وُلدت كميات متساوية من المادة والمادة المضادة في الكون ، ولكن إذا كان هذا ما حصل حقاً؛ فإن تصادمها يُنتج إفناءً فيترك خلفه بحراً مكون من فوتونات عديمة الكتلة، لا متناهية الاتساع؛ حيث أن البروتون يُفني البروتون المضاد، والإلكترون يُفني الإلكترون المضاد، والنيوترون كذلك يُفني النيوترون المضاد، ولكن لسببٍ ما وُجدت كمية إضافية من المادة لم تفنى؛ وهذا يفسر وجودنا نحن، ولا يوجد أي تفسير مقبول لتلك الفرضية، حيث نُشرت دراسة حديثة في شهر آب من العام 2015 أكدت على أن المادة والمادة المضادة صورة مرآتية لبعضهما، وهذا لا يساهم أبداً في الحصول على تفسيرات جديدة؛ لتوضيح هذا الغموض المرتبط في زيادة المادة في الكون . تخيل أنه لولا وجود المادة الزائدة لما كان لنا وجود من الأساس.

السؤال الثامن يخُص الجسيمات الصغيرة:

كيف تتسبب القياسات بانهيار التوابع الموجية؟

من المعلوم أن ميكانيكا الكم تمثل القانون الذي يحكم الإلكترونات والجسيمات العنصرية الأخرى، وبحسب ميكانيكا الكم لا تتصرف هذه الجسيمات ككرات؛ وإنما تتبع خواص الأمواج، بحيث كل جسيم يتم وصفه بتابع موجي يحدد موضع الجسيم، وسرعته، وخواصه الأخرى، ولكن هذا التابع الموجي لا يوضح أي شيء عن طبيعة تلك الخواص.

كل جسم يمتلك مجموعة قيم تمثل خواصه، ولكن كل تلك القيم والتابع الموجي للجسيم ينهار عند إجراء القياس التجريبي له ويتبنى موضعاً وحيد؛ وهنا يكمن السؤال في كيفية انهيار التابع الموجي للجسيم؟ ولماذا ينهار عند قياسه؟

– أما السؤال الأخير: ما مدى صحة نظرية الأوتار؟

نظرية الأوتار تمكن الفيزيائيون من صياغة قوانين تحكم الجسيمات مثل: ميكانيكا الكم، اعتماداً على قوانين يخضع لها الزمكان مثل: النسبية العامة، كما تسمح بتوحيد القوى الأساسية الأربعة التي تحكم الطبيعة والكون في إطار واحد.

حيث افترض علماء الفيزياء أن الجسيمات عبارة عن حلقات ببعد واحد، أو هي أوتار يهتز كل منها بتردد مختلف، وبهذا تصبح الفيزياء أكثر سهولة، ولكن المشكلة تكمن في عمل نظرية الأوتار، واقتصارها على كون مؤلف من 10 أو 11 بُعد وهي: بُعد الزمن، والأبعاد المكانية الثلاثة (الطول والعرض والارتفاع)، إضافة إلى ست أو سبع أبعاد مكانية مُدمجة، حيث يبلغ حجم الأبعاد المكانية المدمجة مع الأوتار المهتزة ما يقارب جزء من مليار من تريليون جزء من حجم النواة الذرية، وبناءً على ذلك لا يوجد طريقة ممكنة لاكتشاف أي شيء بهذا الصغر؛ وبالتالي لا يوجد أي طريقة تمكننا من التأكد التجريبي من صحة نظرية الأوتار.

ليست هذه فقط هي الأسئلة التي حيرت العلماء، ولا زال في جعبة الفيزياء ما يمكنه إبهارنا أكثر، وإيجاد حل لأحد تلك الأسئلة بمثابة حل لغز صندوق باندورا.

تراودني عدة أسئلة فحواها: ماذا لو كانت إجابة تلك الأسئلة بسيطة لدرجة لا يمكننا تصورها؟ وأن هذا الكون ليس معقداً بالصورة التي في مخيلتنا؟ برأيكم ماذا يخفي الكون في جعبته أكثر من ذلك؟

ختامًا للمقال، لا تنسوا دعواتكم الصادقة لروح كاتبة المقال الشهيدة تسنيم حجازي هي وعائلتها.

ارجو المساهمة في هذه الحملة

تسنيم حجازي

تسنيم حجازي، تبلغ من العمر 20 عامًا، كانت تدرس علوم فيزياء في جامعة الأزهر غزة مميّزة بشغفها وحبها لعلم الفيزياء، تتميّز بذكاء ورغبة قوية في استكشاف أعماق هذا المجال تبحث وتدرس بشغف وتفانٍ، لكنها استشهدت هي واسرتها في تاريخ 19/11/2023 بقصف غادر على منزلهم.. سيتم نشر المقالات التي كتبتها ليكونوا صدقة جارية عن روحها، شاهدة على إرثها العلمي ونقطة انطلاق لمن يأتوا بعدها، مستفيدون من علمها وإلهامها. دعواتكم الصادقة لروح تسنيم ولعائلتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى