كيف تعمل خلايا الوقود Fuel Cells
كشفت شركة مرسيدس-بنز حديثا عن سيارة من طراز جديد اف 600 هايجينيوس كأحدث سيارة من سلسلة سيارات الابحاث التي تطورها الشركة لتكون شكلاً من اشكال سيارات المستقبل، وفكرة هذه السيارة انها تعمل بمحرك كهربائي يستمد طاقته من خلايا للوقود صديقة للبيئة لا ينبعث منها اي غازات سامة بل. تعتمد فكرة عمل خلايا الوقود على التفاعل الكيماوي الحاصل بين الهيدروجين والاكسجين لتوليد الطاقة الكهربائية في عملية لا تؤدي الى انبعاث أي غازات بلي تنتج عن هذا التفاعل ماء صالحا للشرب، وبالتالي فإن هذه المحركات هي محركات صديقة للبيئة ولا تشكل اي نوع من الخطورة عليها وتعتبر كفاءة هذا المحرك عالية بالمقارنة بمحركات البنزين والديزل حيث تستهلك هذه السيارة المدمجة، ذات خلية الوقود المعدومة الانبعاثات، ما يعادل 2.9 لتر من الوقود لكل 100 كيلومتر ويبلغ مداها التشغيلي اكثر من 400 كيلومتر، وتبلغ القوة القصوى للسيارة 115 حصاناً. تم الكشف عن هذه السيارة في معرض طوكيو للسيارات في اكتوبر من العام 2005. في هذه المقالة من تفسيرات فيزيائية سوف نقوم بشرح فكرة عمل خلايا الوقود وميزاتها واستخداماتها الحالية والمستقبلية.
جهاز كمبيوتر دفتري يحصل على الطاقة الكهربية من خلية وقود
تمهيد
أصبح البحث عن بدائل للوقود التقليدي “النفط” أمرًا ضرورياً بالنسبة للدول الصناعية المتقدمة ولا سيما بعد الارتفاع الملحوظ لاسعار الوقود على مستوى العالم وترصد هذه الدول المبالغ المالية الطائلة لتمويل ابحاث البحث عن مصادر للطاقة البديلة والمقصود هنا بديلة عن النفط، وفي المقابل عكف العلماء والباحثون على إجراء الدراسات والابحاث للحصول على مصادر بديلة للطاقة، فقد تم تطوير استخدام الطاقة الشمسية لتوليد الطاقة الكهربائية، واستخدام طاقات المد والجذر وأمواج البحر كطاقات حركية يمكن تحويلها لطاقة كهربائية، أو استخدام المياه الساقطة من الشلالات لتويد الطاقة الكهربية والاستعاضة بالعديد من مصادر الطاقة البديلة عن الوقود التقليدي.
ولكن هذه المصادر البديلة تعتمد على تقنيات معقدة عالية التكلفة، ولا تصلح لجميع التطبيقات كبديل عن النفط، وكذلك فإن معظم هذه المصادر تعتمد على ظروف مناخية وجغرافية معينة مثل سطوع الشمس لفترات طويلة بالنسبة للطاقة الشمسية وبالتالي في الدول التي تكثر فيها السحب اثناء العام تكون مشكلة كبيرة بالنسبة لاعتمادهم على الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء، وكذلك الاستفادة من ظاهرة المد والجذر وحركة الأمواج يتطلب الوجود بالقرب من البحر وهذا ايضا ليس متوفر في كل مكان بالطبع. ولكن وبالرغم من كل هذه الصعوبات فإن خلايا الوقود وبعد جهود العلماء المستمرة قد تخطتها لتكون وقود هي المستقبل وبديلاً عن النفط.
يطلق على خلايا الوقود اسم مصدر طاقة القرن الحادي والعشرين، خلايا الوقود هي صورة من صور تحويل الطاقة الكيميائيةا لمختزنة في المركبات الهيدروكربونية إلى طاقة كهربائية مباشرة. والوقود المستخدم في هذه الخلايا هو الهيدروجين أو الغاز الطبيعي أو الميثانول بالاستعانة بالأكسجين أو الهواء الجوي.
نبذة تاريخية
تم اختراع تقنية خلايا الوقود في انجلترا في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي على يد السير وليام روبرت جروف William grove، منذ اكثر من 160 عاماً حيث لم يكن يعلم ان اختراعه الذي وضعه في العام 1839 سيحل مشكلة تواجه العالم في القرن الواحد والعشرين لاكتشاف خلايا الوقود التي يمكن عن طريقها الحصول على الكهرباء من الهيدروجين أو الكحول دون أي عملية احتراق؛ وبذلك يكون قد حل المعادلة الصعبة، وهي الحصول على طاقة نظيفة من غير أن نلوث البيئة وبأقل الأسعار؛ حيث إن المشكلة ثلاثية الجوانب: الطاقة، والبيئة، والتكلفة. وهي الاتجاهات الثلاثة التي يصبو العلماء لحلها.
والحل يكمن في هذه الخلية الصغيرة التي تدعى خلية الوقود، ولكن نظرا لعدم جدوى استخدامه في تلك الفترة، ظل هذا الاختراع حبيس الأدراج لأكثر من 130 سنة، ولكن عادت خلايا الوقود مرة أخرى للحياة في عقد الستينيات، وذلك عندما طورت شركة «جنرال إليكتريك» خلايا تعمل على توليد الطاقة الكهربائية اللازمة لإطلاق سفينتي الفضاء الشهيرتين «أبوللو» و«جيمني»، بالإضافة إلى توفير مياه نقية صالحة للشرب، كانت الخلايا في تلك المركبتين كبيرة الحجم وباهظة التكلفة، لكنها أدت مهامها دون وقوع أي أخطاء، واستطاعت أن توفر تيارا كهربائيا وكذلك مصدرا للمياه النقية الصالحة للشرب.
تتميز خلايا الوقود عن البطاريات التقليدية في اعتمادها على دمج عنصري الهيدروجين والأكسيجين لإنتاج الكهرباء والتي تحصل الخلية عليهما من مصدر خارجي ولا تعدان من مكونات خلية الوقود نفسها وهذا ما يعطي لهذه الخلايا الاهمية بالمقارنة مع البطاريات، حيث أن في البطاريات التقليدية فإن مكونات البطارية هي اساس توليد الطاقة حيث يحدث التفاعل الكيميائي لمكونات البطارية لانتاج الطاقة الكهربية وتستمر هذه العملية الى حين انتهاء المواد الكيميائية المتفاعلة فتتوقف البطارية لحين إعادة حنها مرة أخرى، في حين إن خلايا الوقود تعمل بصفة مستمرة لأن وقودها الهيدروجين والأكسجين يأتيان من مصادر خارجية، كما أن خلايا الوقود في حد ذاتها ليست سوى رقائق مسطحة تنتج كل واحدة منها فولطاً كهربائياً واحداً، وهذا يعني أنه كلما زاد عدد الرقائق المستخدمة كلما زادت قوة الجهد الكهربائي.
فكرة عمل خلايا الوقود
تعتبر خلية الوقود أداة لتحويل الطاقة الكيميائية إلى طاقة كهربية اي انها تقوم من خلال تفاعلات كيميائية بتحويل الهيدروجين والاكسجين إلى ماء وينتج عن هذه العملية طاقة كهربية. وبالمقارنة مع البطارية التقليدية المعروفة فإن الاختلاف يكمن في ان المواد الكيميائية الداخلة في التفاعل لتوليد الكهرباء هي جزء من تركيب البطارية وتوجد في داخلها، وبانتهاء المواد الكيميائية هذه فإن البطارية تصبح عديمة الفائدة ويتم استبداله أو اعادة شحنها مرة اخرى، في حين ان خلايا الوقود لا يمكن ان تنتهي فهي تعمل باستمرار لان مصدر المواد الكيميائية هي من الهواء.
شرائح من خلايا الوقود تستخدم كمصدر للطاقة في السيارات
يوجد العديد من خلايا الوقود تصنف حسب المواد الكيميائية التي تستخدمها، وكذلك صفائح المحلل electrolyte التي تستخدماها. والنوع الاكثر شيوعا ورواجا هو خلية الوقود ذات غشاء التبادل البروتوني proton exchange membrane fuel cell (PEMFC) والموضح فكرة عملها في الشكل التالي:
فكرة عمل وتركيب خلية الوقود لانتاج الطاقة الكهربية
يوضح الشكل اعلاه تركيب خلية الوقود وفكرة عملها تتلخص في المراحل التالية:
(1) ينساب الهيدروجين إلى الصفيحة التي تسمى الأنود، في الوقت الذي ينساب فيه الأكسجين على الصفيحة المقابلة وهي الكاثود.
(2) يسبب غشاء الفصل(catalyst) انشقاق جزيء الهيدروجين إلى ذرتين تنشق كل منهما إلىأيون موجب، ويتحرر الكترون سالب من كل ذرة هيدروجين.
(3)تسمح صفيحة المحلل(electrolyte) فقط بمرور الأيوناتحاملة الشحنات الموجبة عبرها في حين تمنع مرور الاكترونات، تتحرك الالكترونات عبر دائرة كهربية نستفيد منها في تشغيل جهاز او اضاءة مصباح كهربي كما هو موضح في أعلى الشكل السابق وتنتقل الالكترونات إلى الطرف الثاني من الخلية حيث الكاثود وحركة الالكترونات من الانود إلى الكاثود تمثل تيار كهربي.
(4) عند الكاثود تتحد الأيونات الهيدروجينية الموجبة مع الكتروناتها السالبة ومع الأكسجين ليتشكل الماء الذي يتدفق خارج الخلية.
هذه هي التفاعلات الكيميائية التي تحدث على طرفي الخلية
عند الانود
2H2=> 4H++ 4e–
عند الكاثود
O2+ 4H++ 4e–=> 2H2O
التفاعل الكلي
2H2+ O2=> 2H2O
إن النماذج البسيطة التي تصنع منها الخلية الهيدروجينية والمستخدمة في وسائط النقل تنتج والي 1.16 Volt لذلك يتم وصل عدد كبير من الخلايا لتوليد الطاقة الكهربائية المطلوبة. يبين الشكل التالي خلية هيدروجينية مكونة من عدد كبير من الشرائح لتوليد فرق الجهد المطلوب.
لقد تنوعت أماكن استخدام الخلية الهيدروجينية واختلفت التصاميم و الأبعاد الموضوعة لها تبعاً للطاقة المطلوبة منها وفي الصورتين التاليتن مثالاً لذلك.
دراجة نارية تستخدم وقود الهيدروجين بدلا من الوقود التقليدي من خلال خلايا الوقود
سيارة تعمل بواسطة محرك كهربي يحصل على الطاقة من خلايا الوقود الهيدروجيني
مشاكل تواجة خلايا الوقود
كما علمنا مما سبق أن خلايا الوقود تستخدم الاكسجين والهيدروجين لانتاج الكهرباء. وبتوفير هذين الغزين يصبح لدينا مصدر مستمر للطاقة وبالنسبة لغاز الاكسجين فإننا نحصل عليه من الهواء حيث يتم سحب الهواء الى الكاثود لتوفير الاكسجين مباشرة ولكن المشكلة تكمن في غاز الهيدروجين الذي يصعب الاحتفاظ به ولا توجد محطات توزيع لغاز الهيدروجين لانه تعد مشكلة في تخزينه وتوزيعه، وقد تم التغلب على هذه المشكلة باستخدام طريقة تحويل المواد الهيدروكربونية أو الكحول إلى هيدروجين بواسطة وسائط تسمى reformers ولكن هذه ايضا لها مشكلة في توليد طاقة حرارية تنتج عن عملية التحويل. ولازال البحث جاري لحل هذه المشكلة والتي من الممكن ان نجد في الغاز الطبيعي وغاز البروبان أو في محلول الميثانول بديلا عن غاز الهيدروجين لانه من الممكن تخزينها وتوزيعها بسهولة.
مزايا استخدام خلايا الوقود
- -لا يوجد تلوثأو استهلاك لمصادر الوقود: حيث إن الهيدروجينينتج من الماء، وبالأكسدة يعود إلى ماء مرهأخرى، ولا توجد أي عوادم جانبية ضارة على صحة الإنسان والبيئة.
- آمنة للغاية: حيث إن تكنولوجيا الهيدروجين لا تحتوي علىأية عناصر تسبب أية أخطار ممكنة.
- كفاءة التشغيل عالية جدًّا: لأنها تحول الطاقة الكيميائية إلى طاقة كهربائية بشكل مباشر ممالا يسبب أي فقد في الطاقة في أي صورة من الصور.
- هادئة في التشغيل: لا يمكن أن تسمع لخلية الوقود أي صوتأثناء عملها.
- عمرها أطول وصيانتها أقل.
- يمكن التحكم في حجمها حسب الطاقة الكهربائية التي تحتاجها للتشغيل.
لعلك عزيزي القارئ لاحظت بساطة الفكرة وسهولة تطبيقها وحالياً تعقد الكثير من الأبحاث على إيجاد تطبيقات جديدة لخلايا لوقود؛ حتى تصبح بديلًا لكل صور الطاقة الأخرى، وتكون بحق وقود المستقبل وقود القرن الواحد والعشرين.
لمزيد من المعلومات يرجى الاطلاع على المواقع التالية
http://www.howstuffworks.com/fuel-cell.htm
http://www.estarfuturecorp.com/fuelcellworks.html
http://chem.ch.huji.ac.il/~eugeniik/history/grove.htm
تحياتي وإلى اللقاء مع تفسيرات فيزيائية جديدة
د. حازم فلاح سكيك