هل فكرت يومًا أن تعود للماضي كي تتجنب خطأ ما ارتكبته؟ لماذا يسير الزمن في اتجاه واحد؟ هل يمكن أن نرجع في الزمن؟
كل هذه الأسئلة راودتنا في يومٍ من الأيام، وجعلتنا في حيرة عميقة، لكن في رحلتنا اليوم سنسافر عبر قطار الزمن ونتأمل كيف يسير هذا القطار؟
ربما شاهدت فيلم التياتنك ب مخرجه المهووس في الزمن، ويمكن أن نقول أنه انتهى الفيلم ولا أحد فهم ماذا حصل بالضبط! أكاد أن أجزم أنك تساءلت بينك وبين نفسك ما هذه الآلة الغريبة التي استطاعت أن تعكس الزمن؟ لماذا عند انفجار السيارة تجمدت بدلًا من أن تشتعل؟ هل يمكننا حقًا اختراع آلة الزمن؟
عزيزي القارئ، لا تقلق جميعنا تساءلنا هذه التساؤلات.
لنبدأ ب افتراض مُريح يقول أن انعكاس الزمن أمر ممكن، وأننا نستطيع التنقل بين الماضي والمستقبل. تخيل أنك تشاهد مباراة ما، ولأنك مهووس في الفيزياء، قررت أن تُطبق قوانين الحركة في هدف من أهداف المباراة، حيث تنتقل القذيفة من قدم محمد صلاح إلى الحارس، وعندما كنت تكتب المعادلات، قررت أن ترجع في الزمن وتعكس الزمن في المعادلة، كأن الكرة ترجع من المرمى إلى قدم محمد صلاح، ثم قارنت النتيجة في كلا من الحالتين، هُنا ستتفاجئ بأن المعادلات تعطيك نفس النتيجة، بمعنى آخر أن المعادلات الرياضية تقول لك نحن نستطيع أن نرجع ب الزمن، بالنسبة ل المعادلة الرياضية، مسألة خروج الكرة من قدم محمد صلاح واستقرارها في المرمى والعكس هو الشيء نفسه، ولكن القوانين الفيزيائية لا تمتلك اتجاه مفضل ل الزمن، ببساطة أن المعادلات الفيزيائية تستطيع أن تجعلك تسير إلى الأمام وإلى الخلف. لكن تمّهل!! قبل أن تجهز نفسك ل السفر إلى الماضي، يؤسفني أن أخبرك أن الأمر هذا ليس بالسهولة التي تتخيلها!
مع أن المعادلات الفيزيائية تقول أنه ممكن، لكن الزمن في هذا الكون يمشي في اتجاه واحد، وهو اتجاه المستقبل، من أهم صفات الزمن في كوننا الحقيقي هي الاتجاهية، فنحن لدينا الماضي تلك الأحداث في ايام الطفولة المراهقة،ولدينا الحاضر تلك اللحظة التي تحدث الآن، ثم لدينا المستقبل الذي لا نعرف عنه شيء.
لكن! إذا الكون لا يسمح بعكس اتجاه الزمن، هذا يعني أن إحدى صفات هذا الكون هي التي تمنع ذلك، هناك شيء ما يجبر الكون أن يمشي في اتجاه المستقبل فقط، فإذا تغلبنا على هذه العقبة، فمن الممكن أن تجهز نفسك ل تسافر إلى الماضي.
العلاقة بين سهم الزمن والقانون الثاني ل الديناميكا الحرارية:
افترض علماء الفيزياء أن هناك علاقة بين سهم الزمن والقانون الثاني ل الديناميكا الحرارية، وينص هذا القانون على <أن الاضطراب الكلي أو الأنتروبي لنظام معزول لا ينقص أبدًا بل هو بازدياد، يعني الأنتروبي مقياس العشوائية في النظام أو بمعنى أدق هو قياس عدد الاحتمالات الممكن حدوثها داخل أي نظام مغلق.>
لنُبسّط المفهوم أكثر خذ مجموعة من الأوراق ورتبها بالترتيب من ١ ل ٥٠، وجاوب على هذا السؤال، ما هو عدد الاحتمالات الممكنة لترتيب الأوراق بشكل منتظم؟ هو احتمال واحد فقط، هذا يعني أن الانتروبي أو العشوائية في هذا المثال قليل. لكن ماذا لو رتبنا هذه الأوراق بشكل عشوائي؟ هل ممكن أن تتخيل عدد الاحتمالات الممكنة لهذه العشوائية؟ ستأخذ وقت كثير، لأنه الاحتمالات ستكون كثيرة جدًا، وهذا يعني أن الأنتروبي في هذا المثال عالية. ومن هنا نصل ل مفهوم هام، هو أن الانتروبي يزيد في الحالة الفوضوية ويقل في الحالة المنتظمة.
ستسأل نفسك، ما علاقة كل هذا ب سهم الزمن وبمحمد صلاح وبالفيلم؟
دعنا نقوم بعمل تجربة ممتعة! ضع قطرة حبر في حوض ماء، لديك هُنا حالتين، الحالة الأولى/ لحظة وصول القطرة ل الماء، الحالة الثانية/ عندما يصطبغ كل الحوض ب اللون الأزرق، الآن سأطلب منك مقارنة الاحتمالات الممكنة لإيجاد جزيء الحبر، ليكن مثلًا جرىء X في كل من الحالتين، ما هي قيمة X؟ احتمال إيجاد X في الحالة الأولى أقل من احتمال إيجاد Xفي الحالة الثانية، وذلك لأن X في الحالة الأولى تتواجد في منطقة صغيرة جدًا، بينما في الحالة الثانية تتواجد في الحوض بأكمله. نفس الشيء، بالنسبة ل جزئيات القنبلة التي انفجرت، في اللحظة الأولى هناك فقط قنبلة، لكن بعد ثوانٍ فقط تتوسع القنبلة وتتبعثر أجزائها بكل مكان، أي أنها تتحرك باتجاه الحالة الأكثر عشوائية (الأعلى انتروبية)،
ماذا لو عكسنا المشهد؟ فيجب على الكون أن يعكس اتجاه كل قطعة صغيرة من القنبلة حتى تتجمع مرة أخرى معًا وتُكون قنبلة، أي أنها تتحرك باتجاه الحالة المنتظمة (الأقل انتروبية)، وهذا ما يفسر المشهد الغريب في الفيلم، عندما يعود الزمن إلى الوراء يتجمع الجليد عند انفجار السيارة، حيث يتحول النظام إلى الأكثر عشوائية (نار) إلى الأكثر تنظيم (الجليد)، فكما تلاحظ أن مهمة تبعثر القنبلة عند الانفجار أسهل بكثير بالنسبة ل الكون من مهمة إعادة تجميعها، مثلًا تستطيع أن تكسر كاسة الماء بكل سهولة، ولكن لا تستطيع أن ترجعها مثل ما كانت ببساطة.
لو عُدنا ل مثال حوض الماء في الحالتين، الحالة الأولى الحبر ينتشر داخل حوض الماء واحتمال ضياع X تزداد، الحالة الثانية الحبر ينكمش مساحته حتى تكون نقطة وحدة، وهنا احتمال ضياع X أقل، هل تستطيع تحديد أي من الحالتين يمشي بشكل طبيعي ومن بمشي بشكل معكوس؟ بالطبع، الحالة الأولى تمشي بشكل طبيعي.
وهُنا نفهم العلاقة بين الانتروبي وسهم الزمن!
أن ازدياد الانتروبي هي صفات في ذات الكون، وهي التي تمنع عكس الزمن، فما دام الكون يتحرك دائمًا في اتجاه ازدياد الانتروبي فإن عودته ل النظام ستكون مستحيلة، وبالتالي عكس خط الزمن هو الآخر أمر مستحيل، وآلة الزمن في الفيلم ستبقى خيال علمي.
في النهاية، العلم لم يستطع أن يعطينا معنى كافٍ وافيًا ل الزمن، وهو ما عبّر عنه العالم المصري أحمد زويل قائلًا: من عحائب الزمن وأثرها في حياتنا أننا لا نزال نبحث عن معنى ل الزمن ولا غرابةً في ذلك، ف الزمن هو واحد من أكثر الصفات المحيرة والغامضة وغير المفهومة في الكون،رغم أنه منسوجٌ فيها.
