مقالات في الفيزياء

[فيديو] لماذا تفوق التيار المتردد على المستمر؟ الفيزياء المدهشة وراء التيار المتردد وعبقرية نيكولا تيسلا

مرحبًا بكم أعزاءنا المتابعين والمشاهدين في عالم تمكّنت تكنولوجيا اليوم من إتاحة الأشياء التي كنا نعتبرها مستحيلة. اليوم من خلال الأجهزة التقنية المحمولة نستطيع سماع بعضنا البعض، ونقل الصور المتحركة لاسلكيا، والتحكم بالقيادة السيارات ذاتيا. وتوليد الكهرباء ونقلها عبر مسافات شاسعة.

ولكن هل تعلمون أن هناك رجلاً تخيل هذه التكنولوجيا قبل أكثر من مائة عام؟ وكان له تأثير كبير على النمط الحياتي التكنولوجي الذي نستمتع به اليوم. ذلك الرجل هو نيكولا تيسلا. الذي أسس للعديد من التقنيات التي تعتمد عليها حياتنا اليوم فهو ساهم في تكنولوجيا الراديو وصاغ العديد من النظم التي تستخدم اليوم في مجال أنظمة الطاقة المتجددة وادخل مفهوم تكنولوجيا الاتصالات اللاسلكية. أكبر إسهامات تسلا في العالم كان ابتكاراته في مجال التيار المتردد، التي غيّرت طريقة نقل الطاقة الكهربائية.

من هذا المنظور، يقف تيسلا جنبا إلى جنب مع عظماء العلماء مثل غاليليو، ونيوتن، وإديسون، وأينشتاين.

اعلانات جوجل

في الحلقة الثانية من سلسلة تبسيط مفاهيم الفيزياء سوف أركز على نقطة جوهرية وهي سبب تفوق تكنولوجيا التيار المتردد التي أسسها العالم تيسلا على تكنولوجيا التيار المستمر التي اسسها إديسون واستثمر فيها الكثير من الاموال؟ لفهم ذلك، دعونا نستكشف أساسيات الكهرباء، معتمدين على تشبيه تدفق التيار الكهربي في الاسلاك بتدفق الماء في خرطوم لجعل الشرح ابسط واقرب للتخيل.

ابقوا معنا لنستكشف سويا رحلة نيكولا تيسلا مع التيار المتردد. إنها قصة الابتكار، والمنافسة، وقوة الحقيقة العلمية. هذه الحلقة بعنوان

لماذا تفوق التيار المتردد على التيار المستمر

اعلانات جوجل

في البداية، ولد تسلا في العاشر من يوليو عام 1856 في كرواتيا. أراد له والده أن يكون كاهنًا، لكن تسلا كان مولعا بالرياضيات والفيزياء، وبدلا من ان يكون كاهنا أصبح مهندسًا.

عندما بلغ من العمر 29 عامًا، هاجر إلى الولايات المتحدة ولم يكن يمتلك سوى 4 سنتات، لكنه حصل على رسالة توصية جعلته يحصل على وظيفة في إعادة تصميم مولدات التيار المستمر في أحد مصانع إديسون في مدينة نيويورك.

لم يدم تسلا في هذه الوظيفة سوى عام واحد، لأن أفكاره حول تقنية التيار المتردد تعارضت مع استثمارات اديسون للتيار المستمر.

ما هو التيار المتردد وفيما يختلف عن التيار المستمر؟ ولماذا يعتبر أحدهما أفضل من الآخر؟ لفهم ذلك، يجب علينا توضيح بعض المفاهيم الأساسية حول الكهرباء. فما هي الكهرباء؟

جميع المواد مصنوعة من الذرات. تحتوي الذرات على نواة مشحونة بشحنة موجبة وإلكترونات سالبة الشحنة تحيط بالنواة وتدور حولها.

اعلانات جوجل

هذه الإلكترونات مرتبطة بالنواة من خلال قوى الجاذبية الكهربية الناشئة بين النواة والالكترونات. لكن بعض الالكترونات المتواجدة في الغلاف الخارجي للذرة، تتمكن من التحرر بواسطة اكتسابها طاقة من مؤثرات خارجة مثل الحرارة والتصادمات.

هذه الإلكترونات التي تتحرر من الغلاف الخارجي تسمى الإلكترونات الحرة، ويمكنها الانتقال من ذرة إلى ذرة أخرى.

يمثل هذا الانتقال بتدفق الشحنة، وهذا التدفق هو جوهر الكهرباء. المواد التي تسمح للإلكترونات بالحركة تُسمى موصلات، والمواد التي لا تسمح بحركة الإلكترونات تُسمى مواد عازلة. لذا، على سبيل المثال، إذا نظرنا إلى النحاس، ستلاحظ أن لديه إلكترون واحد في غلافه الخارجي.

يمكن أن يصبح هذا الالكترون إلكترونًا حرًا. لهذا السبب يعتبر النحاس موصلًا جيدا. إذا قمنا بإجبار هذا الإلكترون على الحركة، فإننا نحصل على كهرباء.

التيار الكهربائي هو تدفق الإلكترونات الحرة من ذرة إلى ذرة أخرى.

هناك ثلاثة مفاهيم يجب فهمها إذا كنت تريد فهم الكهرباء، وهذه هي التيار والجهد والمقاومة.

كل هذه الكميات الفيزيائية مرتبطة بعضها ببعض. إذا تغيرت أحدها، تغير الباقي أيضًا. العلاقة التي تربطهم تعرف بقانون أوم، الذي وضعه الفيزيائي الألماني جورج أوم.

الجهد يساوي التيار في المقاومة. وهيك كميات فيزيائية ليس من السهل تصورها لأنك لا تستطيع أن تراها، لذا سنستخدم تشبيه الكهرباء بالماء.

فكر في خزان الماء متصل في اسفله خرطوم كما في الشكل الذي تراه.

التيار، المقاس بالأمبير، هو معدل تدفق الشحنات. يشابه معدل تدفق الماء في نهاية الخرطوم.

الجهد، المقاس بالفولت، هو القوة المطلوبة لجعل التيار يتدفق. وهذا يشبه ضغط الماء في الخرطوم والناتج عن المضخة.

المقاومة هي ميل المواد لمقاومة تدفق الشحنة. فكر في المقاومة كقطر الخرطوم. كلما كان الخرطوم أصغر، كلما كانت المقاومة اعلى.

لذا، إذا كان لديك خزانين يحتويان على نفس كمية الماء، لكن أحدهما له خرطوم أصغر من الآخر، أو له مقاومة أعلى، سيكون التدفق أقل، لنفس الضغط.

وبالمثل، الدائرة الكهربية التي بها مقاومة عالية مع جهد ثابت ستحتوي على تيار أقل.

ولكن إذا كان تدفق الماء من الخزان ثابتًا، ولكن قطره أصغر، فان هذا سيعمل على زيادة الضغط. بالمثل، إذا كان التيار ثابتًا في دائرة كهربائية، فإن مقاومة أعلى سيتولد عليها جهد أعلى.

كيف يتعلق هذا التشبيه بالتيار المستمر والتيار المتردد؟ التيار المستمر يشبه تدفق الماء العادي في الخرطوم الذي نراه هنا.

ان الماء يتدفق في اتجاه واحد. في هذا السيناريو، يتدفق التيار بمعدل ثابت مع مرور الوقت. كان هذا هو التيار الذي دافع عنه توماس إديسون في حربه التي شنها على نيكولا تيسلا، الذي تبنى فكرة التيار المتردد.

التيار المتردد يشبه تدفق الماء ذهابا وإيابا داخل الخرطوم بمعدل يصل إلى 50 أو 60 مرة في الثانية. يُطلق على هذا النوع من التدفق باسم التيار المتردد ويُعبر عنه إما بـ 50 أو 60 هرتز وذلك يعتمد على نظام الكهرباء في الدولة.

هنا يكمن انعدام الدقة في تشبيه الماء، لأن الماء لا يتدفق للأمام وللخلف في الخرطوم، ولكن التيار المتردد يفعل ذلك.

يتم توليد التيار المتردد بسهولة من قبل مولدات الكهرباء سواء كانت تعمل على الوقود او الفحم او أي مصدر من مصادر الطاقة المتجددة الا ان فكرة عمل هذه المولدات واحد وهذا ليس مجالنا اليوم ربما خصصنا له حلقة مخصصة.

نأتي الان إلى الهدف من هذه الحلقة وهو لماذا فازت تكنولوجيا التيار المتردد على التيار المستمر، على الرغم من محاولات توماس إديسون، أحد أشهر وأقوى الرجال في القرن التاسع عشر؟

الإجابة تتعلق بالكفاءة وتوصيل القدرة الكهربية. القدرة تشبه حجم الماء أو كمية الماء التي تخرج من الخرطوم في الزمن. السبب من توليد الكهرباء هو إرسال توفير قدرة كهربية للمنازل والمصانع.

ان الصيغة الرياضية للقدرة الكهربية تساوي التيار مضروبًا في الجهد. كلما زاد التيار والجهد في خطوط النقل، كلما زادت القدرة المتاحة للتوصيل. باستخدام الصيغة P = IV، يمكنك رؤية أنه يمكن نقل نفس كمية القدرة، إما بتيار عالي وجهد منخفض أو بتيار منخفض وجهد عالي، ولكن أحدهما أفضل من الآخر.

نعلم ان كابلات الكهرباء المستخدمة في نقل الكهرباء لديها مقاومة معينة لكل متر. كلما زاد طول الكابل، كلما زادت المقاومة في خط النقل. وفي أي وقت تمر فيه الشحنة عبر مقاومة، تتولد حرارة، تعطى بمعادلة جول للحرارة الكهربائية، حيث تساوي مربع التيار مضروبًا في المقاومة. هذه الحرارة هي طاقة مهدرة لا يمكن الاستفادة منها، لأنها تتسرب من شبكة نقل الكهرباء إلى الجو على حساب الطاقة المفيدة.

لذلك من الضروري العمل على تقليل هذه الحرارة.

خلاف ذلك، ستضيع الكثير من القدرة الكهربية التي ترغب في توصيلها. نظرًا لأن التيار الكهربي يساوي القدرة مقسومة على الجهد الكهربي أي I = P على V ، إذا قمنا بتعويض ذلك في معادلة الحرارة، نرى أن الحرارة المتبددة تساوي مربع القدرة مضروبًا في المقاومة مقسومة على مربع الجهد.

يمكنكم الآن رؤية أنه من أجل تقليل الحرارة، نريد تكبير الجهد لتوصيل نفس كمية الطاقة. لأنه بالنسبة لأي طاقة ومقاومة معينة، كلما زاد الجهد الذي يمكننا توليده في الدائرة، كلما قل فقد الحرارة أثناء نقل الكهرباء.

في شبكات الطاقة الكهربائية الحديثة، يتم نقل الكهرباء بانتظام عبر مئات الكيلومترات بمئات الآلاف من الفولتات. ولكن لا يمكن أن يكون الجهد بهذا الارتفاع عندما يصل إلى منزلك، لأنه سيكون خطيرًا للغاية وقد يتسبب بسهولة في صعقك. لذا يجب أن يتم تخفيضه قبل وصوله إلى منزلك.

يتم ذلك عن طريق المحول الكهربي، الذي يخفض الجهد من مئات الآلاف من الفولتات إلى ما بين 100 و240 فولت، وهو الجهد الذي تكون به مخارج التوصيل الكهربائي في معظم المنازل حول العالم. هذا التخفيض والزيادة في الجهد هو السر من وراء تألق التيار المتردد بالمقارنة مع التيار المستمر.

التيار المستمر لا يمكن تحويله بسهولة من الجهد المنخفض إلى الجهد العالي والعكس، ولكن هذا سهل مع التيار المتردد وإليك السبب.

عندما يمر التيار المتردد من خلال ملفات حديدية، ينتج فيض مغناطيسي متغير باستمرار مع الزمن. إذا وضعنا حلقة من الحديد داخل الملف، يمكن أن نركز الفيض المغناطيسي المتغير داخل الحلقة. الآن إذا قمنا بعمل ملف أخر حول الجانب الآخر من الحلقة، يمكننا توليد كهرباء وتوليد جهد في الملفات الجديدة.

والجهد الكهربي الذي يتولد في الملف الثاني يتناسب مع عدد اللفات حول الحلقة الحديدية.

باستخدام هذه الطريقة، يمكننا إنشاء جهد أعلى بكثير في الملف الثاني من الجهد الأصلي في الملف الاولي. هذه هي الطريقة التي يعمل بها المحول الكهربي. يتم استخدام هذه الطريقة لزيادة الجهد للنقل الكهرباء عبر مسافات شاسعة لتقليل فقد الطاقة. وتستخدام هذه الطريقة نفسها لخفض الجهد إلى مستوى آمن قبل توصيله إلى منزلك ببساطة عن طريق جعل عدد أقل من اللفات في محول الخفض. ولكن كما ترى، تتطلب المحولات مثل هذه جهدًا متغيرًا مع الزمن لكي تعمل، وبما أن التيار المستمر هو تيار ثابت مع الزمن فان المحول لن يجدي نفعا مع التيار المستمر ولكن التيار المتردد هو فقط الذي يتغير مع الزمن، فإن المحولات الكهربية لا تعمل إلا مع التيار المتردد.

في عصر إديسون وتيسلا، لم يكن هناك طريقة سهلة لرفع او خفض الجهد باستخدام التيار المستمر، وهذا هو السبب الرئيسي في أن التيار المتردد لتيسلا انتصر على التيار المستمر لإديسون في العصر الأول لنقل الكهرباء.

قد يتبادر إلى ذهنك التساؤل التالي: هل يمكن للأجهزة العمل بشكل جيد على حد سواء مع التيار المستمر أو التيار المتناوب؟

العديد من الأجهزة مثل المصابيح تتطلب فقط حركة الإلكترونات. لا يهم إذا كانت الإلكترونات تتدفق من خلال السلك في اتجاه واحد أم تتحرك في السلك بشكل متردد ذهابا وإيابا. ولهذا فانه يمكن استخدام التيار المتردد مع الأجهزة التي تحول الكهرباء إلى حرارة مثل المكواة او المدفأة او غلاية الماء.

كون التيار المتردد يشغل معظم العالم الصناعي الحديث جعل تيسلا الفائز في حروب التيار الكهربي.

لكن كما هو الحال في معظم الحروب، هناك دائما جانبان لهذه القصة. هل كان التيار المستمر فكرة خاسرة على المدى الطويل؟ ليس حقا. يجب عليك أن تتذكر أن معظم الأجهزة التكنولوجية الحديثة التي تعمل بالبطاريات، مثل جهاز الكمبيوتر المحمول والهاتف الخلوي والآيباد، يتم تشغيلها بواسطة التيار المستمر.

نيكولا تيسلا هو واحد من الأشخاص التي اثرت اكتشافاته وانجازاته بشكل إيجابي على الحضارة البشرية، وعلى الرغم من أنه ربما لم يحصل على المال أو التقدير الذي يستحقه في حياته، لان افكاره والنظم التي صاغها كانت ببساطة متقدمة عن عصره بكثير من السنين. الا انه تم تخليد ذكراه، منذ وفاته، كأحد أعظم وأهم المخترعين الذين عاشوا على الإطلاق.

وقبل ان انهي هذه الحلقة اود ان أدعوكم لزيارة شبكة الفيزياء التعليمية. هناك، ستجد الكثير من الشروحات الأجهزة التي وردت في هذه الحلقة وستجد في التعليقات أسفل الفيديو مجموعة من تلك المقالات.

ما رأيك في نيكولا تيسلا؟ هل تعتقد أنه كان عالمًا أكثر براعة من ألبرت أينشتاين؟ يرجى إخبارنا في قسم التعليقات، وشكرًا على المشاهدة وأدعوكم للانضمام إلى عضوية القناة، ووضع علامة الإعجاب، ومشاركة الفيديو.

أتمنى لكم وقتاً ممتعاً، وأراكم في الحلقة القادمة. وحتى ذلك الوقت، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…

الدكتور حازم فلاح سكيك

د. حازم فلاح سكيك استاذ الفيزياء المشارك في قسم الفيزياء في جامعة الازهر – غزة | مؤسس شبكة الفيزياء التعليمية | واكاديمية الفيزياء للتعليم الالكتروني | ومنتدى الفيزياء التعليمي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى